الخميس، 21 نوفمبر 2024

11:27 م

سر أفرج عنه الموت.. "حكاية حبيبة" بخط يد شهيد أكتوبر

خطاب منذ 51 عام

خطاب منذ 51 عام

داليا أشرف

A A

“أرجو أن أُطلعك على هذا السر.. إنني أحب فلانة، إن جاء الأجل أرجوك أبلغها سلامي وقولها إني كنت بحبها"، جملة من رسالة غير واضحة كُتبت بخط متعرّج يبدو أن صاحبه كان يكتبه بسرعة شديدة، كأن ما يملكه لكشف حقيقة مشاعره هي فقط دقائق معدودة قبل الموت.

أكتوبر 1973

نهار أكتوبر عام 1973، ارتدى الجندي حسني محي الدين “الأفارول الميري” وحمل “مخلته” على ظهره أخف مما يحمل في صدره، مشاعر ثقيلة لحبيبة لا تعرف، و"أمل" يعاتب في فرصة ثانية وإن كانت “ساعة” في “مقصورة الاعتراف” ليكشف لـ"قديسته" أنها كانت “المباركة” في قلبها والمحظية دوما.

خطة العبور

فجر 5 أكتوبر، تجّهز حسني ومن معه لتنفيذ خطة العبور، وليلة السادس منه، خصصت لكتابة الوصايا ورسائل الوداع للأهل والحبيبات، فودع “حسني” أهله وكتب وصيته، ومد جسرا لعبور “سره” الذي  أخفاه إلى الطرف الآخر.

خطاب مطوي عدة مرات، كل “طية” منها تبرز لحظة تردد، قبل أن تلفه شجاعة العبور ويقرر أن يحرر السر، ويلقيه في يد من يكتمه، شقيقه “محمد”، الذي سيتفهم حديثه ونبرة صوته المكتوبة على هيئة أحرف سريعة و"فنطت" على ورقة.

جاء في الرسالة، "بسم الله الرحمن الرحيم.. أأخي الحبيب محمد، تحية من كل الأعماق وسلاما وحبي وشوقي لكم ولبابا الحبيب وماما الغالية والأخوة الأحباء، وبعد.. في وقت ضيق جدا كتبت لك هذا الخطاب..فأرجوا ألا تحزن ياحبيبي لأن الأعمار بيد الله وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت".

"أخي.. لقد كتبت خطاب لعمي الإتربي مع أحد الأشخاص وكتبت له كل المعلومات عني التي يمكن أن تحتاج إليها فيما بعد، وللعلم أرسلت لك شهادة الاستبقاء، وتوكيل باسمك، وقد وكلتك في صرف جميع استحقاقاتي وتعويضاتي فالرجاء أن تصبر". 

اعتراف بالحب     

جاءت لحظة الاعتراف، "أرجوا أن أطلعك على هذا السر، وهو أنني كنت أحب (......)، فإذا جاء الأجل فأرجوا أن تبلغها سلامي وتقول لها أنني كنت أحبها، ولكني لم أستطع الاتصال بها نظرا للضغوط التي كانت عليها، ولم أشأ أن أحرجها، فبلغها كل حبي وإعزازي.. وأرجوا أن يظل هذا سر بيني وبينك، ولا تنشره إلا إذا جاء الأجل". 

"أرجوا أن تدعوا لنا بالنصر وأن يثبت الله أقدامنا وينصرنا على القوم الكافرين، وأن يجعل الجنة مثوايا ومثوي المؤمنين".

اختتم حسني رسالته، “السلام ختام يا حبيبي..ماما الغالية: أرجوا ألا تحزني فإن الأعمار بيد الله وهذا واجب مقدس وأرجوا أن تسامحيني، بابا الغالي: أرجو لك الشفاء العاجل ودعواتكم لي، أخوتي الآباء: تمنياتي لكم بالسعادة والهناء.. أخوكم حسني”.

خطاب عتيق

51 عاما على الخطاب، وأصبح ضمن مقتنيات عابرة للزمن مدفونة بين أوراق عدة تتوسط دُرج "تسريحة" مودرن في عقار قديم بمحافظة دمياط، فتش عليها الحفيد "أحمد المرسي" ابن شقيقة الشهيد “فادية”، وعثر على رسالة لم تصل لصاحب نصيبها، كانت من الحبيب إلى الحبيبة، ولكن حتى وإن كانت قرأتها فالكاتب توفي بالحرب بعد ساعات قليلة من تحريره لمشاعره أخيرًا ببعض قطرات الحبر على ورقة.

رسالة حسني أشعلت فضول "المرسي" ليعلم كيف انتهت قصة خاله الشهيد، هل أوصل شقيقه الرسالة لحبيبته ليُعلمها أنها آخر من ذكر اسمها قبل استشهاده؟!، وبدأ الحفيد يسأل أشقاء "حسني" ليتبين أن الفتاة التي أحبها يبدو أنها كان لديها مشاعر تجاهه هي الأخرى، لكنها لم تملك الشجاعة للبوح بها، بل كانت وفاتها خير دليل على الاعتراف بحبها لـ"حسني"، إذ ماتت بعده بعده أشهر.

search