الخميس، 30 يناير 2025

07:37 ص

سامح مبروك
A A

خارج حدود الأدب| إدارة الخطيب.. بين التهليل والتضليل!

إذا كنت أحد المتابعين للأحداث الرياضية في مصر، فيكفيك فقط بضع نقرات على أي وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي، لتستشعر -مرغمًا- حجم الأزمات التي تجتاح النادي الأهلي في الفترة الأخيرة، منشورات ووسوم ومقاطع مصورة من رواد ومقدمي محتوى تلك المنصات تتحدث، بل تُبرز حالة الفشل الإداري المتفشي في الأهلي، فلا تكاد تقضي بضع دقائق حتى تتخيل أن الزلازل المدمرة تضرب الجزيرة، ولا يتبقى سوى لحظات حتى تنهار عن بكرة أبيها، وتُساق أمامك الدلائل والنظريات. التي تبرهن أن إدارة الأهلي بطيئة، ومتخبطة، ومهترئة، وبخيلة، وضعيفة، بل بلا رؤية، وفي المجمل فاشلة.

وتتناول تلك الانتقادات اللاذعة التي تطول الإدارة، الإخفاقات المتتابعة في مباريات فريق كرة القدم، مثل: تفريغ الفريق ذاته من أهم نجومه من دون إيجاد بدائل من المستوى نفسه، وعدم الالتزام والتأخر في التعامل مع ملف التعاقدات، والتخاذل في التجديد لنجوم الفريق، وافتعال الأزمات مع الإدارة الفنية، حتى طريقة الإعلان عن التعاقدات من خلال القناة التلفزيونية أو وسائل الإعلام، لم تسلم من الانتقاد، انتقاد قد يصل في كثير من الأحيان لحد التطاول، ويشطح غالبًا بأصحابه "خارج حدود الأدب"، وما دامت تلك هي العلامة المسجلة لسلسلة مقالاتنا، وما دام الخروج عن الحدود هو سمة الظرف، فرأينا أن نخرج عن الحدود والنمط الذي اتخذناه في تلك السلسلة، فلا حاجة هنا لاستدعاء الماضي، ولا داعي لمقاربة تاريخية، فالحاضر يعجّ بالتفاصيل، ووجب علينا كشف جوانب الإخفاق والتقصير، ولن نقارن الحاضر إلا بنفسه.

وما دامت تلك الاتهامات تقع إجمالًا في حيز "الرأي ووجهة النظر" -بين ظفرين- فلا يدحض وجهات النظر سوى الحقائق والأرقام، فلنجعل الأرقام تُحاجج تلك الآراء.

وبالعودة إلى جذور تلك الأزمة المفتعلة والمتجددة، نجد أنها طفت على سطح الأحداث من جديد مع بداية الموسم الكروي الحالي، الذي تزامن مع خسارة الفريق لبطولة السوبر الإفريقي أمام الغريم التاريخي للأهلي "نادي الزمالك"، وما فاقم من قسوة الخسارة، حالة الثقة المفرطة التي كانت تتملّك جماهير ولاعبي الأهلي معًا، ثم أتت خسارة كأس التحدي القارية، ثم تنامت وتيرة الانتقادات مع توالي الإخفاقات في مباريات الدوري المصري ضد فرق تُعد متوسطة، وهزائم أخرى على صعيد دوري المجموعات للبطولة الإفريقية، كل ذلك في ظل افتقار قائمة الفريق -كما يرى المتابعون- للنجوم، ناهيك عن تخبط الإدارة الفنية للفريق.

وإذا ما جعلنا الأرقام والحقائق تُفند تلك المزاعم، فسنجد أن حالة الثقة التي انتابت جماهير الأهلي ولاعبيه قبل السوبر الإفريقي، كان سببها الرئيس النهاية المثالية والقوية للموسم السابق، الذي اختتمه الأهلي بحصاد لقب الدوري المصري بعد مواجهات قوية وحاسمة حقق فيها مكاسب كبيرة على أهم منافسيه، إضافة لتحقيقه لقب دوري الأبطال الإفريقي، إضافة لألقاب أخرى.

وعلى الرغم من مرارة خسارة لقب السوبر الإفريقي أمام الغريم التقليدي، فإن الأهلي سرعان ما عوَّض تلك الخسارة بمكسب مهم لبطولة السوبر المصري أمام الغريم نفسه، وبعدها بأيام حقق أول لقب عالمي لنادٍ في مصر، بل في إفريقيا، عندما فاز على فريق العين الإماراتي المدجج بالنجوم والمحترفين، ليحقق كأس القارات الثلاث، قبل أن يخسر كأس التحدي من بطل الأمريكيتين في مباراة درامية، جانَب الحظ فيها لاعبي الأهلي، وعلى صعيد دوري المجموعات ببطولة إفريقيا، حقق الفريق مبتغاه بالوصول إلى دور ربع النهائي، ناهيك عن تناوبه على صدارة جدول ترتيب الدوري المحلي مع أقرب منافسيه رغم الإخفاقات المزعومة، فأين الإخفاق الحقيقي أو الفشل مقارنةً بتلك الحقائق؟

كل ذلك على الرغم من الحقيقة -التي يتناساها عمدًا أدعياء نظرية الفشل- حقيقة أن الفريق يعاني كمًّا هائلًا من الإصابات التي نالت من العديد من نجوم الفريق الذين ساهموا بشكل مباشر في حسم الكثير من البطولات في الموسم الماضي، ناهيك عن الإصابات التي ضربت الثلاثي المغربي المحترف دفعة واحدة، ليبلغ إجمالي الإصابات من قوام الفريق الأساسي ثمانية لاعبين، ولن نضع هنا مقاربة أو مقارنة مع إخفاقات مانشستر سيتي هذا العام بغياب لاعب واحد من أهم لاعبيه، أو الانخفاض الطبيعي الذي قد يصيب أي فريق بعد سنوات عدة من التفوق.

ولو سلمنا -مرغمين- أن الفترة السابقة، والتي لا تتخطى "أربعة أشهر"، كانت مليئة بالإخفاقات، وبالتغاضي عن بطولة محلية وأخرى قارية، وتأهل للأدوار الإقصائية في بطولة إفريقيا، والمنافسة القوية على صدارة الدوري المحلي، فهل من الإنصاف أن نتهم إدارة عمرها سبعة أعوام بالفشل قياسًا لأحداث أربعة أشهر فقط؟ بل لا بد من أن نلقي نظرة على أرقام وإنجازات السنوات السبع العجاف الماضية -كما يزعم المنتقدون- لنُقيِّم مجلس الخطيب بإنصاف.

وهنا لا بد من أن نضع المعايير المناسبة لقياس نجاح أو فشل مجلس إدارة واحد من أعرق وأكبر الأندية الرياضية والاجتماعية في الشرق الأوسط وإفريقيًّا، فدعونا نفند نتائجه في كرة القدم اللعبة الشعبية الأولى، ثم الألعاب الجماعية الأخرى، ثم الألعاب الفردية، ومن ثم الإنشاءات والإدارة المالية.

على صعيد كرة القدم، ومنذ تولي مجلس محمود الخطيب المسؤولية عام 2017، محليًّا حصد فريق كرة القدم خمسة ألقاب من بطولة الدوري، وثلاثة ألقاب لكأس مصر، وخمسة ألقاب لبطولة كأس السوبر المصري. وعلى صعيد المنافسات القارية، حصد الأهلي لقب بطولة دوري أبطال إفريقيا أربع مرات، مع ظهوره في نهائي البطولة لخمس نسخ متتالية، بالإضافة إلى تحقيق كأس السوبر الإفريقي في نسختين. 

وعالميًا، أحرز الأهلي برونزية كأس العالم للأندية ثلاث مرات، وأحرز كأس الفيفا للقارات الثلاث. وبعيدًا عن إرهاصات الصفقات والتعاقدات والكباري والأنفاق، كيف لعاقل أن يحسب هذه الأرقام المذهلة فشلًا؟

أما الألعاب الجماعية، فاستحوذ الأهلي بجدارة على معظم الألقاب، خاصة في كرة اليد وكرة السلة، بعد استقطاب أهم الفنيين واللاعبين، ليصل إجمالي عدد البطولات في الألعاب الجماعية إلى 322 بطولة، فقط في الفترة من 2017 إلى 2021. كما حقق النادي 3163 ميدالية ذهبية في الألعاب الفردية، وربما لا يتسع المقال لتفنيد وتسمية تلك البطولات أو حصرها، وما زال العداد في ازدياد. وعلى صعيد الإنشاءات، فلا إنكار لتلك الطفرة النوعية ما بين التطوير في الفروع الحالية أو التوسع بفروع جديدة، وتدشين مشروع الاستاد، وتلك كلها نقاط في جانب الإدارة الحالية بالتأكيد لا ضدها.

نأتي الآن إلى النقطة الأكثر جدلًا بعيدًا عن ملف كرة القدم، وهي نقطة التمويل. فقد أدار المجلس الحالي ملف التمويل بكثير من الحزم في مواجهة حالات شائكة واجهها على مدار الأعوام السبعة. فنعلم جميعًا كيف قطع الطريق على التدخل الإداري لأشخاص وكيانات تحت عباءة الاستثمار والتمويل، وأعلى حينها مجلس الإدارة شعاره التاريخي "الأهلي فوق الجميع"، بصد تلك المحاولات بنجاعة وجرأة. وبتنوع الموارد الذاتية للنادي وتنميتها، أصبحت ميزانية ورعاية النادي الأكبر في إفريقيا على الإطلاق، بل وجعلت فرق النادي تنافس فرق الخليج العربي صاحبة الأموال الطائلة في البطولات كافة، بل وتتفوق عليها. وهنا يلح التساؤل: أيُعد هذا فشلًا؟

لقد طال مني المقال واستطال، على الرغم من الاختصار وعدم الاسترسال في الأرقام والحقائق المحققة والموثقة على مدار الأعوام السبعة الماضية. والتي إن دلت تلك السطور على شيء واحد، فإنما تدل على حالة غريبة من الاستقطاب والتربص غير المبرر في الشارع الكروي بإدارة الخطيب. 

ولن أذهب إلى قصص اللجان الممولة والانتخابات والمنتفعين، بل سأذهب فقط إلى المشجع العادي الذي يرى في الأهلي جميع أحلامه الممكنة ونجاحاته وسعادته. وهنا أختصه بالحديث: صديقي، بمراجعة تلك الحقائق يمكنك بالتأكيد انتقاد الإدارة وأي إدارة، وقد نتفق على نقص في التخطيط، وبطء في دولاب العمل، ومركزية في القرار والإدارة، وربما إدارة الأزمات لم تكن بالشفافية المطلوبة، ولكن أبدًا لن ننكر النجاح الذي تحقق وتلك النجاحات التي ما زالت، بفضل الكثير من الجهد والكد والتعب. وحينما ننتقد ونرفع الأعلام الحمراء للمشكلات والتحديات، يجب ألَّا ننسى الإنجازات، وأبدًا يجب ألَّا نخرج بانتقادنا خارج حدود الأدب.
 

search