الأحد، 08 سبتمبر 2024

06:33 ص

"الحشاشين" وفخ "الجماعة"

مع  إذاعة المقطع الدعائي لمسلسل “الحشاشين”، ومشاهدة الحلقات الأولى، تتيقن أنك أمام العمل الدرامي الذي تم إنتاجه ليكون الأنجح بين أعمال هذا الموسم.
مسلسل “الحشاشين” تمت صناعته ليكون الأفضل من دون منافسة، حُسم نجاحه حتى قبل إذاعته، عملٌ درامي توفرت له كافة الإمكانيات ليكون الأكثر جذبًا والأعلى مشاهدة، ملحمة درامية تلتف حولها الأعين وتثير الجدل.

يقدم مسلسل “الحشاشين” قصة مثيرة تشبع شهوة الفضول لدى المشاهد، وتقتحم حقبة تاريخية مهجورة في كافة أشكال الفن، وهي الشدة المستنصرية، يكتبها سيناريست من الصف الأول وهو عبد الرحيم كمال، واخراج بيتر ميمي صاحب التجارب الدرامية الأفضل خلال السنوات الأخيرة، وتوفرت للعمل الميزانية الأضخم بين مسلسلات الموسم، أضف إلى كل هذا "كاريزما" كريم عبد العزيز الاستثنائية.

ومع المشهد الأول عندما يسأل حسن الصباح أحد جنود فرقته: “تفدي الدعوة بـ إيه؟”، تفهم بسهولة الإسقاط السياسي المقصود والذي سيلازمنا باقي أحداث المسلسل، خاصة أن فرقة الحشاشين، كانت تنعت بالفرقة ولم تستخدم لفظ دعوة أو جماعة.

في المقابل يبدأ الراوي بسرد مقدمة تاريخية يصف خلالها “الحشاشين” بالطائفة الدينية مثلها كباقي الطوائف الدينية الأخرى، وهذه مغالطة  فـ"الحشاشين" كانت فرقة اغتيالات، منشقة عن طائفة الباطنية، ولا يمكن اعتبارها تيارًا دينيًا أو طائفة.

في مثل هذه الأعمال الملحمية ذات الطابع التاريخي، لا تنجح فيها الشخصية الدرامية المعتادة ذات الطابع الإنساني التي تجمع بين الخير والشر في أغلب الأعمال، بل  إن قواعد الدراما هنا تفرض على الكاتب أن تحمل الشخصية الرئيسية ملامح البطولة كي تستحق أن تكون بطلًا، ويشمل تكوينها عناصر الجذب كي تفوز بمتابعة المشاهد، خاصة وأن الحلقات الأولى جاءت سردية فقيرة دراميًا لقصة تاريخية شحيحة التفاصيل، ومعروفة في الغالب.

قد يكون هذا ما دفع الكاتب عبد الرحيم كمال، إلى اقحام الماورائيات كعنصر تشويق، رغم أن العمل يسرد لوقائع قصة حقيقية، إلا أن إقحام الخيال أخرج العمل عن دائرة الواقعية، وحاك هالة أسطورية مقدسة حول حسن الصباح الذي كان في ميلاده طفلًا فذًا ذا وجهٍ ملائكي، لديه ملكات روحانيه فوق بشرية، ثم نشاهد رجلًا استثنائيًا لديه شخصية أشبه بالسيد المسيح يشفي المرضى، ويعرف النوايا والغيب، وينتهر العاصفة فتهدأ، ضع كل مفردات الشخصية هذه مع كريم عبد العزيز صاحب الكريزما والقبول الأسطوري، مع صورة بصرية مدهشة، وموسيقى تصويرية بديعة.

 توافر عناصر النجاح هنا قد يتحول إلى فخٍ، محتمل أن يقلب الهدف المنشود، فلو كان الغرض هو تقديم عمل درامي عن شخصية قادت فرقة للقتل، أو "إرهابي" بالمفهوم المعاصر، فقد يتحول مع مرور الحلقات إلى قدوة، وطالما بطل فهذا في حد ذاته يثير الإعجاب بشكل ما، حتى لو كان خُط الصعيد أو حميدو السفاح.

فمن الذي لا يحب حسن الصباح بعد ما قدمته كبطل شعبي أشبه بالشخصيات الأسطورية يجمع بين قدرات الأنبياء وكريزما الملوك.

إنه ذات الفخ الذي استدرج فيه سهوًا كاتبنا الكبير الراحل وحيد حامد عند كتابة الجزء الأول من مسلسل “الجماعة”، والتمعن في وصفِ حسن البنا ورسم هالة بطولية حول شخصيته وكاريزمته، وحكمته، وهدوئه، إذ يصف في الفصل الأول من حياته كيف كان نابغة متفوقا على أبناء جيله مثل الأنبياء أو أصحاب الدعوة، أضف إلى ذلك وجه أحمد مالك صاحب القبول الفائق والملامح الوديعة.

المبالغات في قوة شخصية البنا وتأثيرها على الأفراد بشكل بعيد عن الواقع تماما وهو "صبَّاح" التاريخ الحديث، ممتزجة بموهبة إياد نصار، وأحمد مالك، مع مهارة وحيد حامد وكفاءة محمد ياسين،  كل العناصر الإبداعية التي توفرت لصناعة عمل فائق الجودة، أدوات نجاح تحولت في لحظة إلى فخ وابتعدت عن الهدف، وهو كشف “الجماعة” للرأي العام.

هنا جاءت النتيجة عكسية وأحبّ الناس شخصية حسن البنا الطفل والشاب، كيف لا تحب شخصا يصنع المعجزات؟ وسبب في توبة الناس ولديه كاريزما خارقة؟ قائد حقيقي في زمن عزّت فيه الزعامة، تكوين الشخصية خرج عن السيطرة.

الأمر لا يحتاج أكثر من مشاهدة الحلقة الأولى حتى تدرك أنك أمام عمل درامي جيد في أغلب عناصره، بداية من الموسيقى التصويرية التي تمهدك إلى الدخول في حقبة زمنية جديدة التناول، تصميم المناظر والديكور والملابس واختيار فريق العمل، وإن كان أحمد عيد غير مناسب للدور تماما، إيقاع المشاهد جيد إخراجيًا، كما انتصر لاستخدام اللهجة المصرية لأنها الأقرب لتلك الفترة التي تشكلت فيها لهجتنا العامية، كذلك لإعادة ريادة اللهجة المصرية.
ومن حسن البنا إلى حسن الصباح، وبين الحسنين، قد يتحول الإبهار إلى فخ.

search