السبت، 05 أكتوبر 2024

10:46 ص

مصطفى شوبير.. الحارس الذي اقتنص فرصته!

كتبت "التايمز"، لأول مرة نسمع صمت 200 ألف مشجع، وأذاع معلق بي بي سي نتيجة خاطئة لأنه لم يصدق، قبل تلك اللحظة، كان لاعبوا البرازيل استعدوا للنصر، دعوا الأصدقاء والأقارب وامتلأ المراكانا في نهائي كأس العالم 1950، لكن لاعب الأورغواي غيغيا تجاهل كل ذلك، وسدد ضربة قوية إلى مرمى مواسير باربوسا، أفضل حارس في البطولة والعالم حينها، ورغم إنه لمس الكرة ونهض واثقًا إنه أخرجها، فوجيء بأنها تسكن الشباك لتخسر البرازيل كأس العالم على أرضها ويبكي الملايين كان منهم والد بيليه الذي رآه الأخير لأول مرة يبكي فأقسم أنه سيجلب له الكأس، أما باربوسا فانزوى وعاش على الإحسان من شقيقته، لم يسامحه الشعب البرازيلي على تلك اللحظة لدرجة إنه حين أراد تشجيع بلاده 1993 منعته السلطات فردد قائلًا "العقوبة القصوى في بلدي 30 عامًا، وأنا أدفع 43 سنة في عقوبة جريمة لم أرتكبها.

يُجسّد باربوسا مقولة أن حارس المرمى هو "شهيد" الفرقة و"الفدائي" الأول الذي يسهل دومًا التضحية به عكس جميع زملاؤه، وإذا كان جميع الحرّاس يقرأون تلك القصة الخالدة والدامية ليدركون قيمة المجازفة وخطورة العواقب، فإن مصطفى شوبير كان عليه أن يعيشها أيضًا، ورغم إنه وُلد بعد اعتزال أبيه، لكن، كم مرة سمع تمجيد أبيه، وكم مرة سمع من يهاجمونه أيضًا متهمين إياه بضياع بطولة ما؟، بل كم مرة أفاض الأب في لحظات صفاء لولده بلحظات الفخر التي لا يعادلها سعادة ولحظات التعاسة التي تمنى أن تنشق الأرض وتبلعه حينها؟


حكاوي كتلك، كانت كفيلة أن تدفع الطفل أن يسلك طريقًا آخر غير كرة القدم، وإن كان لا بُد من ذلك فعلى الأقل ليست في هذا المركز المرعب، ولن نقول ونادِ غير الأهلي لأنه ذلك يحدده كفاءة اللاعب لا رغباته، لكن شوبير لم يلتفت إلى كل تلك التحديات، قبل الفرصة، واستعد جيدًا للمغامرة، فكان عليه قبول تحدي "الفدائي الأول"، وكان عليه قبول تحدي اللعب في نادِ الخسارة فيه تعني بطولة والجماهير لا تصفح ولا تسامح، وفوق ذلك كان عليه قبول إنه ابن أحمد شوبير حارس الأهلي التاريخي السابق وبالتالي عليه أن يُثبت إنه لا ينتمي لـ"أبناء العاملين"، وأخيرًا كان عليه الانتظار وراء قائد مثل محمد الشناوي، حارس القلعة الحمراء وبطلها الأول الذي لن يسمح لأحد الاقتراب من عرينه بسهولة.


لو قلنا أن كل تلك التحديات يعيشها شاب في منتصف العشرينيات لكان ذلك عبء آخر، لكن شوبير خاضها وهو بالكاد قد تخطي العشرين من عمره، وبعيدًا عن إنجازاته الكروية التي نراها في كل مباراة يلعب فيها الأهلي انتهاءًا بسيمبا التنزاني، وبعيدًا عن تصدياته وتحركاته وما له وما عليه وذلك حديث مختصين وإن كنت أشك إنهم سيجدوا عيوبا كثيرة في حارس بات يجسّد مستقبل الأهلي ومصر، لن اتحدث عن ذلك، فحديثي هنا عن كيف اقتنص "شوبير" فرصته.


شاب في أول العشرينات، نادِ كبير، أب مشهور، وشهرة طاغية، وصفة لأن يرتكب الشاب ولو من باب "الجموح" حماقات كثيرة، تلك هي الصورة التي توقعها الكثيرون لمصطفى شوبير، وفي أحسن الأحوال شاب خامل يرى مكانه مضمون كحارس ثالث، فلا داعي للجد والاجتهاد ويسبقه عملاق مثل الشناوي وآخر لا يقل مثل علي لطفي، لكن مصطفى من البداية اتخذ الأمر  جد، واختار مكانه بعناية وظل يستعد، مستغنيًا عن كل ما يمكن أن يفعله شاب في مثل سنه، ومُعطيا ظهره لكافة المغريات التي وقع في فخها لاعبون كثر أطاحت بهم الكرة بعد أول ركلة، هذا المشهد الأول.


أما المشهد الثاني، هو الصمت التام أثناء الجلوس على الدكة التي طالت به لأشهر طويلة، لا احتجاج على عدم المشاركة، لا تلويح بعروض من هنا أو هناك، لا اختراع لجان إلكترونية تندد بعدم لعبه، أو تعليق الشماعة على مدرب يضطهده، تلك كلها ألاعيب لاعبون كثر، لكن مصطفى، أدرك منظومة النادي الأهلي جيدًا رغم صِغر سنه، وأدرك قيمة مكانه ولو على الدكة، فظل متشبث بها في انتظار الفرصة، وبكامل احترامه  لناديه وجمهوره، هذا مشهد ثانِ.


المشهد الثالث، عقلية مصطفى شوبير والتي بدأت في الظهور حين شارك في المباريات بعد إصابة الشناوي، ليفاجئنا بأنه ليس حارس وُلد كبيرًا فقط، بل وإنسان واعِ ومثقف، يعرف جيدًا كيف يخرج كلماته وينتقيها، وكيف يواجه الإعلام وكيف لا يقع في فخ "السوشيال ميديا" التي حين هاجمته بسبب خطأ تسبب في هدف داخل شباكه، لكنه صمت وتقبّل نقد الجمهور بصدر رحب ورد عليهم في الملعب بأداء أفضل.


تبقى النقطة الأخيرة، وهي الحب الخالص الذي يتعامل به "شوبير" وتلك معلومات شخصية أعرفها عنه، بداية من تقدير وإكبار لمُعلمه وحارسه الأول محمد الشناوي، ومرورًا بزملاؤه الذين باتوا لا يبادلونه الحب فقط، بل يلعبون بأريحية أن وراءهم حارس كبير قادر على إصلاح أخطاؤهم داخل الملعب وهو ما ظهر واضحًا في المباريات الأخيرة التي خرج المحللون يقولون لولا مصطفى شوبير لخسر الأهلي، ويكفي القول أن الحب والتقدير لا نتاج تدريب جيد أو حتى موهبة كبيرة بل نتاج من تربى في بيت يحمل في داخله مبادئ الأهلي.


بدون تلك المبادئ والقيم، كان يمكن أن يكون مصطفى شوبير حارس جيد فقط، ومستقبل جيد للأهلي لا أكثر، لكن عقليته وطريقة بناؤه لنفسه يقول إننا أمام حارس عملاق يرى بوضوح طريقه ويريد أن يصل إلى أبعد نقطة يمكن الوصول إليها، وإنه لن يكون الفدائي الأول فقط كما وصف الكاتب الاوروغواني إدواردو غاليانو حارس المرمى، بل ويومًا ما سيكون قائد للفريق وربما المنتخب الذي التحق بهِ مؤخراً، لذلك، وإن كان الإعلامي القدير أحمد شوبير بخيل في الثناء على ابنه لأن شهادته مجروحة، أقول له، شكرًا على هديتك الثمينة لجماهير القلعة الحمراء وأنا منهم.

search