الخميس، 19 سبتمبر 2024

04:57 ص

"عاشوا شقيانين وماتوا غرقانين".. أرواح صبايا المعدية في رقبة من؟

سيدة من ذوي ضحايا حادث معدية أبو غالب

سيدة من ذوي ضحايا حادث معدية أبو غالب

نرمين سليمان

A A

مع فجر يوم جديد، كان لـ"جنى وآية وهاجر وجنات وحبيبة ونسمة" وغيرهن، أمل متجدد في غدٍ أفضل، وحياة أجمل، لا طريق نحوها سوى بالعمل، فليس لديهن آباء أغنياء يستطيعون مساعدتهن في الوصول لأحلامهن، فقط لا يمتلكن سوى عقول تساعدهن على الدراسة وأيادٍ لفرز الفاكهة.

بنات المنوفية "الجدعان" أردن مساعدة ذويهن، ورسم مستقبل أفضل لأنفسهن، فقررن العمل خلال فترة إجازة المدرسة ليحصلن على "يومية" تتراوح بين 150 إلى 200 جنيه، تعينهن على مد يد العون لأسرهن، وقد يستعينن بجزء منها لسد احتياجاتهن.

صبايا معدية الموت

صبايا مددن أياديهن بالخير لتلتقطها يد الموت، في حادث هز اليوم الشارع المصري، وقلّب مواجع "الغلابة الشقيانين"، الذين لم ترحمهم ظروف الحياة، ليموت الكثير من أحبائهم دون الظفر بمعيشة كريمة، فكان لبعضهم نهاية مأساوية أدخلت الرعب إلى نفوسهم في لحظاتهم الأخيرة، وتركت ذكريات مريرة في وجدان كل من يعرفهم.

فتيات تتراوح أعمارهن بين 13 و17 عامًا، استيقظن في الفجر ليستقللن ميكروباص يتكدسن فيه، حيث يحمل 26 من بينهم سيدات أكبر سنًا، لعل من أبرزهن "تهاني" صاحبة الـ59 عامًا التي كانت تذهب للعمل في مجال فرز الفاكهة، لكي تستطيع الإنفاق على أولادها السبعة، لكن لم تعلم أي منهن أن هذا الميكروباص سيقودهن إلى نهاية درامية.

ضحايا معدية أبو غالب

مشاجرة عابرة على معدية أبو غالب تسببت في سقوط الميكروباص محملًا بالفتيات في مشهد مروع بمياه النيل.. لحظات لا يمكن وصفها عاشتها الضحايا، لتعلو أصوات بعضهن بالصراخ على أمل أن ينجدهن أحدهم، وبالفعل تم إنقاذ بعضهن على يد الصيادين وقوات الإنقاذ النهري، بعدما تعالت أصوات الأهالي وشهود العيان مستغيثين بالصيادين "ارموا العوامات بسرعة.. اللي بيعرف يعوم ينزل بالمراكب.. انزل هات اللي قدامك".

واختلط الصراخ بأصوات بكاء الأهالي "والنبي اتصلوا بالإنقاذ.. حد يكلم الإنقاذ بسرعة".. لينتهي الأمر بالتقاط بعض الأهالي أنفاسهم بعد خروج بناتهن بسلامة، فيما كان على الجانب الآخر يتم استخراج جثث 10 فتيات، لتنهار أسر الضحايا وتصرخ الأمهات "يا ريتني كنت أنا يا ضنايا"، فيما لا يزال البقية مفقودات تحت الماء.

من المسؤول؟

في رقبة من أرواح فتيات وسيدات المعدية؟.. ألقى بعض شهود العيان بالمسؤولية على سائق الميكروباص، وهو الأمر الذي أكدته أيضًا وزارة النقل، التي أشارت إلى أن السائق ترك السيارة دون تأمينها بسبب مشاجرة، وخلال الرسو تحرك الميكروباص للخلف وسقط في المياه، وهو ما يعني ضمنيًا أن الوزارة تبرئ نفسها من ذنب الضحايا.

"آية" فتاة ناجية من الحادث ظهرت في فيديو لـ"تليجراف مصر" لتنسف رواية الوزارة، وتؤكد أن السائق بريء حيث إنه قام بتأمين السيارة ولكن بسبب المشاجرة والتدافع تم الزج بالسيارة لتسقط في النيل، مشددة على أن السائق أول من سارع بالنزول في المياه لإنقاذهن.

عم "آية" قال إنه كان من المفترض إنشاء كوبري في هذه المنطقة كبديل للمعدية، إلا أن إنشاءه متعطل منذ 4 سنوات، متهمًا بعض المسؤولين بتلقي رشاوى لعدم استكماله، قائلًا "بتوع المعدية أكل عيشهم منها ومصلحتهم إن الكوبري دا ميخلصش".

وردت الوزارة في بيان، إنه في إطار خطتها لإلغاء المعديات الخطرة، يتم حاليًا إنشاء 2 محور للسيارات، أحدهما عند منطقة الحادث وهو محور أبو غالب ووصلت نسبة تنفيذه 50%، والآخر هو "محور القطا" جنوب موقع الحادث بمسافة 10 كم، ووصلت نسبة تنفيذه 15%.

وأشارت الوزارة، إلى أنه يوجد كوبري مشاة "كوبرى وردان" على مسافة 2 كم من موقع الحادث، كما يوجد كوبري نكلا للسيارات على مسافة 20 كم جنوب موقع الحادث، بجانب كوبري تقاطع الطريق الدائرى الإقليمي مع طريق (المناشي –الخطاطبة) على مسافة 10 كم شمال موقع الحادث.

الداخلية السبب

من جهة أخرى، ألقت الهيئة العامة للنقل النهري بالمسؤولية على وزارة الداخلية، وتحديدًا شرطة المسطحات المائية، لتقاعسها عن تنفيذ قرار بعدم عمل تلك المعدية، حيث إن رخصتها منتهية.

وقال مدير عام الرقابة النهرية بالهيئة العامة للنقل النهري بوزارة النقل في تصريحات لـ"تليجراف مصر"، أحمد محسن، إن هناك مخالفات بهذه المعدية، وكان يستلزم على شرطة المسطحات المائية منع عملها حفاظًا على أرواح المواطنين.

تفرقت دماء صبايا وسيدات المعدية بين السائق ووزارتي الداخلية والنقل والأفراد الذين تشاجروا في موقع الحادث، ليتم ترك القضية الآن في يد القانون ليحسم الأمر.. حقوق الضحايا أطواق في رقاب من؟

search