الخميس، 21 نوفمبر 2024

09:08 م

نجوى مصطفى
A A

دروس الأهلي!

أن تكون ناديا ناجحا، فتلك وصفة سهلة، فقط عليك الفوز طويلًا، والتتويج بالبطولات، فكلما زادت البطولات ارتفعت الشعبية، وتضاعفت قيمتك التسويقية، وانضم إليك نجوم أكبر، وشاركت في مسابقات قارية وعالمية.

لكن أن تكون ناديا كبيرا، يتغنى الجمهور بعظمته، يشيدون بأصالته، يعتبرونه المتنفس الوحيد لهم، يرتدون قميصه، يسافرون إليه من محافظة لأخرى ومن بلد لآخر، لا يقبلون من يمسّه بكلمة سوء، ويدافعون عنه باستماتة، فتلك قصة أخرى، قصة لا تصنعها النتائج الكبيرة، ولا البطولات المتعددة، العظمة هنا ليس لها علاقة بهز الشباك، ولا تعترف كثيرًا بعدد الأهداف، نتكلم عن شيء أعمق، أقوى، عن الشؤون الصغيرة التي تحوي السر وتكشف المستور.


خلال الأسبوعين الماضيين، أظهر لنا النادي الأهلي بعض الشؤون الصغيرة، وأعطى بعض الدروس للأندية التي تطمح أن تكون عظيمة، فرسم لهم المسار، ووضع لهم المنهج، ولعل البداية كانت قبل المباراة الأولى مع نادي بيراميدز، وما أثير حول موقف حسين الشحات الذي تجمعه خصومة قضائية مع لاعب بيراميدز محمد الشيبي، ووقتها أثار محللون رياضيون مخاوف من "تهوّر" الشحات، أو احتمالية نشوب معركة هنا أو هناك، وهي مخاوف دفعت يورشيتش، المدير الفني للأهرامات، إلى الاحتفاظ بلاعبه النصف ساعة الأولى من المباراة.

أما الأهلي، الواثق في لاعبيه، لم يلتفت إلى تلك الأقاويل التي تصلح لأندية مبتدئة أو "فِرق شوارع" لم تقرأ شيئا عن عالم الاحتراف، لذلك تم الدفع بحسين الشحات من البداية، وتمكّن اللاعب من صنع هدفين واستحق عن جدارة لقب رجل المباراة، لكن الأهم من تلك الأمور الكروية، أن أول أسرار النادي العظيم، أن يكون لاعبوه محترفين، مُدركين قيمة قميصه، قادرين على ضبط النفس في المواقف المتوترة، ودومًا يغلّبون مصلحة الفريق على أي نوازع بشرية. ومن ناحية أخرى، يقّدمون الصورة التي تليق بمن يلعبون في صفه، وكم تبدو المهمة صعبة إذا كنت تلعب للنادي الأهلي.


المشهد الثاني، والذي يؤكد عظمة النادي الأهلى، هو ما تعلّق بأزمة تذاكر المباراة مع بيراميدز، حيث قرر الأخير رفع قيمة تذكرة الدرجة الثالثة لأكثر من الضعف، فباتت بـ200 جنيه بدلًا من 75 جنيها، وهو ما يمثّل عبئا على جماهير الكرة الحقيقية، إذا أخذنا في الاعتبار المصروفات الأخرى من انتقال ومأكل ومشرب وما إلى ذلك، مما يجعل حضور مباراة بهذا المبلغ يعد تكلفة عالية على عاشقي الساحرة المستديرة.


لم تمضِ ساعات قليلة على هذا القرار الذي اتخذه بيراميدز، حتى رد النادي الأهلي بتكفّله أسعار تذاكر الدرجة الثالثة، طالبًا عودة الأموال للجمهور، بل وتحديد ثمن التذكرة بـ50 جنيها فقط في المباريات المقبلة، على أن تتحمل القلعة الحمراء الفرق.

وهكذا، في تصرف بسيط ونادر، أثبت الأهلي أنه لا يكترث بالأموال، ولا يطمح بأن يضيف لخزائنه بعض الملايين التي ستكون على حساب الجماهير، بل أثبت أيضًا أنه كما يدفع الجمهور من أجل رؤية اللاعبين في الملاعب، فإن النادي سيدفع أيضًا من أجل أن يأتوا هم إليه، فالحاجة متبادلة، والعلاقة لا تعترف بالأموال، وكأهلاوية، شعرت كثيرًا بالتعزيز الذي يقدّمه لي النادي الذي أشجعه.

المشهد أو الدرس الثالث، هو ما شاهدناه في المباراة الثانية التي جمعت الأهلي ببيراميدز، وحسمها المارد الأحمر بهدف المهاجم القنّاص وسام أبو علي، وبعيدًا عن نتائج المباراة، كان أبرز مشهد ما حدث بين "الشحات" و"الشيبي"، حين حصل الأخير على كارت أحمر، إثر تدخله العنيف ضد لاعب الأهلي، وبدلًا من أن يلتزم لاعب بيراميدز بقرار الحكم، كعادة اللاعبين المحترفين، أصرّ على افتعال المشاكل التي احتواها لاعبو الأهلي بذكاء واحترافية، ومنعوا تفاقم الأزمة، قارن بين هذا المشهد، ومشهد طرد خالد عبد الفتاح الذي غادر الملعب بهدوء وصمت دون أن يدين أحدا أو يحاول افتعال مشكلة.
بالطبع قائمة التفاصيل طويلة، والشؤون الصغيرة أكثر من أن تُحصى على امتداد تاريخ النادي الذي تخطى المائة عام، لكن هذا ما حدث خلال أسبوعين، وهذا ما يُجدد ويعلم الأجيال المقبلة لماذا الأهلي فريق عظيم، ولا علاقة لذلك بالنتائج والتتويج..

search