هل أخفقت البعثة الأولمبية المصرية في باريس؟
في أوقات الصوت العالي والمعارك الساخنة، ليس أمامك سوى الانحياز الكامل، إما معارض أو مؤيد، أما أن تتبنى خطاب هادئ، تقدم رؤية متزنة، تبحث عن الخلل للمعالجة، وتُبرز الإيجابيات للبناء عليها، فهذه مهمة شاقة إن لم تكن مستحيلة، وهذا بالضبط ما نعيشه الآن مع البعثة المصرية في دورة الألعاب الأولمبية باريس 2024، التي انتهت بالأمس، وهي بعثة كتبت عنها أكثر من مرة وطالبت بحمايتها النفسية، لأنها منذ أن غادرت أرض الوطن، وهي تتعرض لهجوم كبير ممزوج بالسخرية والاستخفاف من أي إنجاز قد يحققوه.
بالطبع تلك الحالة لها أسباب مفهومة، لعل أبرزها أننا لا نتمتع بسياسة النفس الطويل في البطولات، وظهر ذلك جيدًا في منتخبات كرة القدم واليد، كما أن تداول الكثير من الشائعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي مثل "لاعبة تجديف تضل الطريق" و"هروب جواد من سِباق المنافسات"، وما إلى ذلك من أخبار -مزيفة- تحوّلت لدي المصريين أصحاب الحس الفكاهي إلى مادة للسخرية والـ"كوميكس" ما ساهم في زيادة الهجوم والسخرية.
لكن بعيدًا عن كل هذا، فإن الحديث الحقيقي يجب أن يتضمن أسئلة بعينها مثل، هل نجحت البعثة الأولمبية المصرية في باريس؟، وما معيار هذا النجاح؟، هل عدد الميداليات مقياس كافي، أم ما حققناه من مستوى، بل كيف نقيس مستوانا، بالدول التي تفوقنا رياضيًا، أم بمستوانا قبل ذلك، ومستوانا الآن؟، لنعرف أين كنّا، وكيف أصبحنا، وإلى أين نريد أن نذهب؟، أعتقد أن هذا المعيار أكثر دقة، ويستلزم بنا الرجوع إلى العقود الماضية لنعرف نتائج بعثات مصر السابقة في دورات الألعاب الأولمبية، وكم ميدالية حصلنا عليها مقارنة بالبعثة الحالية، مع الوضع في الاعتبار التكلفة المضاعفة التي أنفقتها مصر على بعثة باريس والتي وصلت بحسب التصريحات الرسمية إلى نحو مليار وربع المليار جنيه.
وبعيدًا عن التاريخ البعيد المتمثل في السيد نصير أول من حصل على ميدالية ذهبية في رفع الأثقال بدورة الألعاب الأولمبية بامستردام 1928، وهي دورة شهدت نجاح إبراهيم مصطفى الذي حصد ذهبية المصارعة، وفريد سميكة الحاصل على فضية الغطس في نفس الدورة، أقول بعيدًا عن هذا الماضي المجيد البعيد، فإن النظر إلى النصف قرن الماضي يعطي صورة أوضح بعد أن صارت دورة الألعاب الأولمبية مسابقة قوية تستعد لها كل دول العالم كل 4 سنوات.
تشير الأرقام إلى أن مصر شاركت في 5 دورات في الفترة من (1980-2000)، إذ لم تشارك في دورة موسكو استجابة لمقاطعة الاتحاد السوفيتي بسبب غزوه لأفغانستان، المهم أن الدورات الخمس لم نحصل فيهم سوى على ميدالية واحدة كانت من نصيب لاعب الجودو محمد رشوان الذي حصد الفضية في ألعاب لوس أنجلوس الأولمبية، بينما الدورات الأربع (سول 1988- برشلونة 1992- أتلانتا 1996- سيدني 2000) خرجنا منها كما دخلنا.
أما في الفترة من 2004 (أثينا) وحتى 2020 (طوكيو) حصدت مصر 20 ميدالية متنوعة، وكان النجاح الأبرز في دورة 2020 بطوكيو، والتي تم تأجيلها بسبب فيروس كورونا، واستطاعت مصر تحقيق 6 ميداليات منهم ذهبية فريال أشرف في الكاراتيه وفضية أحمد الجندي في الخماسي الحديث، فيما توزعت الأربع برونزيات الأخرى ما بين التايكوندو والمصارعة والكاراتيه.
في دورة الألعاب الأولمبية بباريس، وبعد نجاح الجندي وسارة سمير، أصبح نصيب مصر في تلك الدورة ثلاث ميداليات، برونزية سيف المبارزة لمحمد السيد، وفضية البطلة المصرية سارة سمير، وذهبية الفتي الذهبي أحمد الجندي الذي ينضم لقائمة الصفوة بعد حصوله على أكثر من ميدالية أولمبية.
ماذا تقول تلك الأرقام التي سردناها؟، تقول إن مصر حققت طفرة أولمبية منذ بداية الألفية الثانية، وعلى مدار ربع قرن استمرت في التطوير، إذ تمكّنت من حصد ميداليات في أغلب الدورات، وفي ألعاب مختلفة، كما تؤكد أن النمو كان تصاعديًا حتى وصل في 2020 كما ذكرت إلى 6 ميداليات، وبالتأكيد ساهم في ذلك عوامل أخرى مثل حجم ما يُصرف على البعثات ومستوى الاهتمام بهم وكيفية تأهيلهم، المهم أننا كنا في تصاعد، لكن هذا التفوق انحدر بشكل كبير في الدورة الحالية التي كدنا أن نخرج منها بميدالية برونزية واحدة لولا نجاح البطلين "سارة والجندي" في اليوم قبل الأخير، لكن حتى مع هذا النجاح، فثلاث ميداليات أمام ستة في الدورة الماضية مع تضاعف حجم التمويل في الدورة الحالية، يشير إلى التدهور لا التطور.
إذًا، ومن منطلق عقلاني ليس فيه تحيّز لأحد، ومع التأكيد على ضرورة الحفاظ على مكتسبات الدورة الحالية من خلال تطوير الأبطال الذين ظهروا على الساحة، والاستفادة منهم في باقي الرياضات، أقول مع ذلك، فإن بعثة مصر الأولمبية بباريس لم تحقق المطلوب منها، وكان إخفاقها واضحًا في معظم المشاركات، وهو ما أوجب التحقيق والمحاسبة الضرورية حتى لا نُهدر الأموال من ناحية، وحتى لا نعود إلى الوراء 20 عامًا في ظل عالم قفزاته متسارعة ولا ينتظر أحد، أما من يسأل هل أخفقت البعثة المصرية في باريس؟، فالإجابة (نعم).
الأكثر قراءة
-
04:55 AMالفجْر
-
06:26 AMالشروق
-
11:41 AMالظُّهْر
-
02:36 PMالعَصر
-
04:56 PMالمَغرب
-
06:17 PMالعِشاء
مقالات ذات صلة
الدوري المصري.. "ظبطنا الجاكيتة البنطلون ضرب"
10 نوفمبر 2024 11:46 م
على هامش البالون دور.. حتى لا تفقد الجوائز قيمتها
01 نوفمبر 2024 02:07 م
بطولة تصحيح المسار
27 أكتوبر 2024 02:10 م
لماذا الكابتن محمد رمضان تحديدًا؟
02 أكتوبر 2024 12:45 م
أكثر الكلمات انتشاراً