الخميس، 19 سبتمبر 2024

05:09 ص

خارج حدود الأدب| وشم ميدو وجدري القرود

‏لعل شبح جائحة كورونا مازال يطارد عقول الكثيرين، وربما تكون تلك الذكرى الكئيبة والمحبطة لأيام الحظر والحجر والعزل تؤرق أذهان الناس عامة، ومن فترة لأخرى، ومع تسارع الأنباء عن أي تفشي جديد، يتهامس الناس بخوف هل من المعقول أن نعود من جديد لهكذا ظروف؟.

تتلاحق الأنباء الآن عن تفشي فيروس جدري القرود والذي يُعرف اختصاراً باسم إمبوكس (Mpox)، ويقول الخبراء أنه فيروس قديم، اكتًشف في الدانمارك (1958) لدى قرود احتجزت لأغراض البحث، ولهذا ترجع تسميته، وتعود أول حالة إصابة بشرية بفيروس جدري القردة أُبلغ عنها لصبي يبلغ من العمر تسعة أشهر في جمهورية الكونغو الديمقراطية عام (1970).

وسط الأنباء والتعميمات التي تتلاحق من منظمة الصحة العالمية حول تشفي هذا الفيروس، استقبل البعض بشماته خبر سهولة وسرعة انتشاره بين الأشخاص ذوي الميول الجنسية المثلية، بينما يتابع الجميع بقلق أخبار انتشار المرض، مع الخوف والحذر من انتشار جائحة جديدة تعيد ظلال أيام الكورونا من جديد.

أهل الذكر

وفي مجال الأوبئة والفيروسات لن تسمع رأي أو وجهة نظر مِن أيًا مَن كان عن هذه المعلومات والتطورات، فباب الفتوى والاجتهاد في مثل هذه المواضيع العلمية مغلق بالضرورة، بل يتطلع الناس بشغف لمتخصص يدلي بتصريح أو معلومة حول الأعراض والمسببات والمخاطر وأسباب انتقال المرض وكيفية التحصين منه أو علاجه، وينطبق هذا على جُل نواحي العلوم، فقلما تجد من يفتي بدون علم أو عن جهل في الطب أو الهندسة أو القانون أو حتى الزراعة، وعندما تسول لشخص ما نفسه الفتوى في أمر بعيد عن اختصاصه، يعاجله محاوره بالآية الكريمة {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}.

ومن باب الطرافة، تبقى أمور الدين -وحدها- في مأمن من تطبيق هذه الآية الكريمة، ففي أمور الدين كلنا علماء، كلنا شيوخ وفقهاء، بل في بعض الأحيان آلهة نرمي بهذا في السعير وندخل ذاك جنات النعيم، بدون حساب.

عمرة ميدو

فقد نشر لاعب كرة القدم السابق أحمد حسام والشهير بـ"ميدو" صورة له على حسابته الشخصية أثناء أدائه مناسك العمرة، ومن خلفه بيت الله الحرام، ووسط ما لهذا المكان من مكانة وجلال وجمال، لم يلتفت إليه معظم من شاهد تلك الصورة، ولم يلتفتوا إلى ذلك الرجل السعيد بإقباله قلبًا وعقلًا وجسدًا على الله، ومثوله برضا في بيته المشرف، ذلك الرجل الذي ساقه الطمع في رحمة الله -التي وسعت كل شيء- ومغفرته إلى أبواب كعبته، يطرقها بحب وطمع طالبًا مغفرته ورضاه.

لم يلتفتوا لأيٍ من هذا، بل راحوا يصدرون أحكام مسبقة بدون علم، هذا يتحدث عن وشم، وذاك يتحدث عن نعل وسماعة وساعة، وتناسوا أن الأمر كله من رحمة وعذاب من مغفرة وعقاب واقع بين يدي الله عز وجل، فقط في أمور الدين يستحل البعض الفتوى، ويستسهل إصدار الأحكام، ويتصدر المشهد كحامي حمى الدين والمالك الأوحد لمفاتح الجنة، ويغلقون بابًا قد فتحه الله من عليائه لكل عباده بدون حساب، باب التوبة.

ولو أننا تعاملنا مع أمور الدين تعاملنا مع أمور العلم المختلفة (كفيروس جدري القرود) وتركنا الفتوى لأهل العلم، ولم نتسرع في انتقاد هذا، والتنكيل بذاك وتكفير الناس بدون حق، لما خرجت التعليقات عن عمرة ميدو خارج حدود الأدب.

search