الجمعة، 22 نوفمبر 2024

05:19 م

محمد فودة
A A

كم تساوي؟!

أتفهم – بصعوبة-  تنازل شخص فقير أو محتاج عن كرامته أو شيء منها لسد حاجته، أو تحسين حالته المادية، لكن أعجز كلياً عن تبرير ذلك لأشخاص يملكون الجاه والمال، لكنهم يبيعون أنفسهم بثمن بخس -مهما بدا مغرياً- لأنهم لا يحتاجون إلى ذلك من الأساس!

كنت أشاهد ستوديو تحليلي بعد مباراة الأهلي والاتحاد السعودي الأخيرة في كأس العالم للأندية، ودون أي مقدمات أو إيعاز من طرف ما، فوجئت بالمحلل المصري يقول -بحماسة رضيع جائع شاهد أمه تفتح زر قميصها- " يجب أن أشكر لجنة التنظيم السعودية على استمرار إضاءة الملعب فترة طويلة بعد المباراة وتشغيل الأغاني لجماهير الأهلي"

ولا يمكن أن ألومه لو اكتفى بالإشادة، فالتنظيم كان رائعاً بلا شك، ولا غضاضة من امتداح القائمين عليه، خصوصاً لو كان يعمل لديهم،  لكن صدمني حين أكمل قائلاً" أن هذا لا يحدث في مصر، إذ تغرق الملاعب في الظلام مباشرة بعد المباريات!!

ذكرني ذلك بموقف لممثلة مصرية شهيرة أثناء ندوة في دولة خليجية حضرتها كمتحدث معها منذ بضع سنوات، وفوجئت بها تتحدث بحماسة عن حرية الرأي والتعبير في تلك الدولة، لسماحها بمناقشة موضوع الندوة الحساس، عكس بلادها التي لا تسمح لها بذلك!

ولأنني وطني بائس يحتاج إلى السيطرة على نفسه، قاطعتها قائلاً، إذا كنت تشعرين بشيء من امتنان للدولة الكريمة التي تستضيف الندوة، فليس من حقك التجرؤ على بلادك، خصوصاً وأنك تجاوزت كل الخطوط السياسية والاجتماعية الحمراء في كثير من أفلامك، ولم يرمك أحد في السجن أو يضيق عليك!!

المحلل الرياضي في الحالة الأولى يبيع بضاعته من التملق والنفاق بكل رخص، دون أن يطلب منه أحد ذلك، فبكل أمانة ما قدمته السعودية كمستضيف ومنظم للبطولة كان شيئاً رائعاً يستحق كل احترام، ولا يمكن أن أتخيل أن كائنا من كان طلب منه وضع بلاده في مقارنة غير عادلة مع غيرها، ومن الأولى أن يقدم ملاحظته إلى المسؤولين في مصر إذا كان متحفظاً على سرعة إغلاق أضواء ملاعبنا، لكنه واصل التدني في برنامج لاحق، وتحدث بتهكم غير مبرر عن النادي الأهلي!

والممثلة في الحالة الثانية، سيدة متواضعة الثقافة والفكر، جانبها التوفيق فيما قالت، لجهلها بطبيعة الدولة التي تستضيفها، وإنكارها فضل بلادها عليها!!

ولا شك أن الواقعة الشهيرة لتهجم الفنان بيومي فؤاد على زميله محمد سلام في نهاية العرض المسرحي بموسم الرياض، مثال صارخ على تطوع البعض لبيع أنفسهم بالرخيص، إذ أجزم أن لا أحد طلب منه التصرف بهذه الطريقة المبتذلة، وتقديم جرعة إضافية من المزايدة غير المبررة!!

حين تعيش في الخليج لفترة طويلة يمكنك أن تدرك حجم هذه المعضلة الأخلاقية، فأنا أعيش في الإمارات منذ قرابة 18 عاماً، ولم أخفي يوماً عشقي لهذه الدولة، لجملة من الأسباب، مجملها أنني لم أتعرض فيها لتجاوز أو إساءة، ولم أضطر إطلاقاً لمنافقة رئيس، أو الخضوع لكفيل، إذ أؤدي عملي باحترافية وأحصل على حقوقي كاملة وهذا كاف لاحترام نفسي وحفظ كرامتي، لكنه ربما ليس كافياً لغيري، إذ أرى أشخاصاً يتصرفون بوضاعة غير مطلوبة أو مبررة، ويبيعون أنفسهم أملاً في عطية أو ميزة لا توفرها دولة تعامل الجميع بسواسية..

ومع ذلك أنا لست في مجال الحكم على أحد، فالوضيع لا ترفعه أرض أو تظلله سماء، إذ يعيش منحنياً خاضعاً، يبيع نفسه لمن يدفع أكثر، مثل صاحبنا الذي يملك من الكنوز ما يكفي جيلاً سابعاً من أحفاده، لكنه لا يكل أو يمل من أن يكون مُطية لكل من يعلفه أكثر!!

أعتز بأشخاص في حياتي يتمسكون بمبادئهم مهما بلغ بهم العوز، ويؤمنون أنهم ليسوا سلعة تباع أو تشترى، ولا أخفيكم قولاً، أقتنع بأنني لم أتعرض لاختبارات كثيرة في حياتي، لذا لا أميل إلى الحديث عن نفسي بمثالية، لكن أعتقد أن حياتي ربما كانت ستتغير إلى درجة ما لو قبلت عروضاً شعرت حين تلقيتها أنها لا تليق بي أخلاقياً، وإن كانت من وجهة نظري ليست بقدر إغراءات تعرض لها آخرون قبضوا على الجمر ولم تهن عليهم أنفسهم..

كم تساوي؟!

سؤال صعب، سألته كثيراً لنفسي، وتؤرقني الإجابة عليه، وأحاول تجاوزه عملياً بالتمرن على قيمة "الاستغناء" فلا يجب أن أكون عبداً لما أملكه، أو ما أرغب في امتلاكه، سواء كان سيارة فارهة أو منزل فخم، أو مزايا مادية أخرى، حتى لا يستعبدني الآخرون..

title

مقالات ذات صلة

المتهمات بالفرحة!

22 يوليو 2024 07:03 م

لماذا "سيف زاهر"؟!

24 يونيو 2024 02:12 م

إياك تاخدها جدّ!

07 مايو 2024 10:18 م

اللقيط والقزم!

24 فبراير 2024 07:42 م

الشخصية الـ "ميدو"!!

07 فبراير 2024 04:10 م

صناعة الآلهة

24 يناير 2024 07:36 م

search