الخميس، 21 نوفمبر 2024

04:55 م

سامح مبروك
A A

خارج حدود الأدب | حياة الماعز وعبادة البقر

‏عزيزي القارئ؛ لو سمحت لي أن أسألك على غرار مسابقات اختبر معلوماتك: ماذا تعرف عن الديانة الهندوسية؟

أعتقد أن إحدى صورتين أو كلاهما معًا سيمر أمام عينيك، إما عبادة البقر، أو الأصنام والآلهة المتعددة، وفي كلتا الحالتين يؤسفني أن أقول لك أن معلوماتك تحتاج إلى الكثير من البحث والجهد، والتنقيح والتجريح، هل سمعتك تسألني لماذا؟
فإن كانت تلك هي رغبتك الحقيقة – أن تعرف- فدعني أقص عليك القصة باختصار.

الديانة الهندوسية أو البراهمية هي واحدة من أقدم الديانات الحية على وجه الأرض، حيث يرجع تاريخ تلك الديانة إلى حوالي 2000 سنة قبل الميلاد، وتعتبر ثالث ديانات العالم من حيث الانتشار، ولعل قِدم تلك الديانة وتلك الجذور التي تضرب في أعماق التاريخ يجعلها واحدة من أكثر الديانات تعقيدًا، حيث أن عقيدتها أخذت في التطور عبر آلاف السنين، وما دمنا قد ذكرنا كلمة عقيدة، نأتي للتساؤل المحير، ما سر تلك الآلهة التي لا تُعد ولا تحصى والتي يتعبد إليها أتباع تلك الديانة؟

هنا تكون الإجابة غير المتوقعة، أن أصل العقيدة في الديانة الهندوسية هي (وحدة الوجود)، وهذا يعني اتحاد الإله الأعظم (براهما) مع كل صورة ومظهر من مظاهر الوجود الذي نعيش فيه، فهو الأزلي وحده الذي يتجلى في مخلوقاته كافة، ولا يحده مكان ولا زمان ولا يُدرك وليس كمثله شيء، وهنا ستتعجب بالطبع وتسألني بحدة: ألم ترى يومًا تلك الأصنام والآلهة التي تملأ معابدهم بل شوارعهم وبيوتهم؟ دعني أجيبك، نعم إنها (أفاتار) أو تجسيدات، أو بمعنى أدق تشخيصات لصفات الإله الأعظم براهما.

نعم يا صديقي فكما تؤمن الديانات الإبراهيمية بوجود الإله بصفاته العليا والرسل والملائكة، تعتقد الديانة الهندوسية أن الإله الأعظم براهما وكما هو جزء لا يتجزأ من الوجود، فإنه يتجلى فيمن يختار من مخلوقاته ليهدي الناس إلى الطريق القويم، فصَوَّر الهندوس عبر الزمن تلك التجليات في أشكال متعددة وبأسماء متنوعة ليتقربوا بها للإله براهما.

أعلم أن الموضوع اتضح أنه معقدًا أكثر مما يبدو عليه، ولكنك الآن بالتأكيد تلح عليَّ في السؤال، هل أنُكر أيضًا أنهم يعبدون البقر؟ ولعل الإجابة هنا ستكون صادمة إلى حدٍ ما، نعم يا صديقي أنكر بالطبع، فالهندوس لم يعبدوا البقر على الإطلاق بل هم فقط يقدسونها كرمز للرحمة والعناية وكأم للبشرية جمعاء بخيرها وبركتها وعطائها، بل أزيدك من الشعر بيت، أن أول من حظر قتل وإيذاء الأبقار في الهند كان الإمبراطور المسلم جلال الدين أكبر في عام ١٥٧٨، حيث أصدر مرسومًا إمبراطوريًا بذلك تعبيرًا عن احترامه للتقاليد الهندوسية التي تقدس الأبقار.

ومما سبق يتضح لنا جليًا يا عزيزي أنك قد وقعت في الفخ، نعم فخ الصورة الذهنية النمطية.

ففي الغرب إذا ذكر الشرق الأوسط، يستحضر الناس صورة الصحراء والجِمال، بل أن تلك الصورة مازالت هي الصورة التعبيرية في الكثير من أفلام هوليود، وهنا إذا ذكرت أستراليا استحضرنا صورة الكنغر، وتلك ببساطة هي الصورة النمطية التي تعلق بالأذهان نتيجة التراكمات من قصاصات لصور وأحداث، ليس بالضرورة أن تكون متكاملة أو حقيقة.

والصورة النمطية للكفيل خلال العقود الأخيرة ارتبطت وللأسف بالكثير من المشاهد القاسية، وبالطبع تلك الصورة لم ولن تعبر عن الواقع، وهذا نفس الفخ الذي وقع فيه منتجي فيلم حياة الماعز، نعم يا صديقي، فلست وحدك أسير هذا الفخ، بل نحن شركاء فيه جميعًا.

بكل تأكيد تجربة الكفيل في السعودية شابها الكثير من المشاكل، ومن التحديات التي تواجهها المملكة في الآونة الأخيرة تغيير تلك الصورة النمطية التي رسختها تلك المشاكل، ولكننا بالتأكيد وفي تلك الحيرة ما بين رواية حياة الماعز الهندية المجحفة ربما لصورة شعب، والرواية السعودية لذات القصة التي تعترف بالخطأ الفردي ولكنها تبرز قيم التسامح والعفو عند المجتمع، نقف مكتوفي الأيدي أمام تلك الصور النمطية التي غالبًا ما تأخذ التفاعل معها خارج حدود الأدب.

search