الجمعة، 20 سبتمبر 2024

02:37 ص

التجاني.. كيف جمع كل هؤلاء تحت عباءته؟

لا حديث يعلو فوق أزمة "الشيخ التجاني" على صفحات المصريين عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما فضحته فتاة تدعى "خديجة" بالتحرش بها، وإرساله مرادفات وصور لا تليق بـ"رجل دين" متصوّف، وأحد مشايخ طريقة صوفية. 

من هذا الشخص وماذا يفعل؟ سؤال مشروع طرحه مصريون عبر صفحاتهم بعدما أثيرت الأزمة، وخصوصًا أن للرجل مريدين كُثر وصاحب تأثير ونفوذ ليس فقط في حي إمبابة التابع لمحافظة الجيزة، حيث يتخذه مركزًا للطائفة، وإنما امتد لفنانين ومثقفين ومفكرين وقادة رأي. 

بعيدًا على أزمة التحرش بفتاة تحت ستار عباءة الدين، وهو الرجل نفسه الذي يرى في حديثه مع "تليجراف مصر"، أن كلمات مثل "مشتاق" و"وحشتيني" لفتاة لا علاقة مشروعة بينها، ليست تحرشًا!!

حتى لا ندخل في منطقة اتهامات غير محسومة، فعادة أتساءل "لماذا يبحث المرء عن شخصية أو طائفة أو جماعة يتبعها دائمًا؟".

ثمة تاريخ اجتماعي ممتد للمجتمعات ينطوي على ظهور الجماعات والطوائف الدينية المختلفة، وفي التاريخ الإسلامي بدأ مبكرًا بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتحديدًا منذ خلاف معاوية بن أبي سفيان وعلي بن أبي طالب. 

وتفرّق الأدبيات الأكاديمية، لا سيما سوسيولوجيا الأديان، بين مفاهيم "الطائفة" و"الطائفية"، فبينما تشير الأولى إلى مجموعة دينية متماسكة، تشير الثانية إلى حالة من التنافس والصراع، وتنشأ في سياق تعددي ديني. وبالتالي، فإن وجود طوائف متعددة لا يعني بالضرورة وجود طائفية، إلا أن الطائفية تتطلب بالضرورة وجود هذا التعدد، يعزى هذا للحديث النبوي القائل "ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين كلها في النار إلا واحدة".

داخل السنة فقط تتفرع طوائف ومذاهب عدّة، ومنها الصوفية وتحتها طوائف مختلفة، صارت جميعها فلكلورية شعبية وتنظيم اجتماعي يؤدى فيه حركات "درويشية" لا أصل لها من الدين.

هناك فرق جوهري بين "التصوف" كنزعة فردية روحية و"الطرق الصوفية"، فالأول يسعى فيه العبد إلى التقرب من ربه، وكانوا يعرفون بالصوفية، ومع مرور الوقت، تطورت وتبلورت في طرق صوفية منظمة، لكل منها شيوخها وأتباعها وطرقها الخاصة في العبادة والذكر.

التصوف ليس مشروطًا باتباع شيخ أو طائفة، والدليل أنه قبل ظهور هذه الطوائف كان من المتصوفة "رابعة العدوية وأبو حامد الغزالي والحسين بن منصور الحلاج". 

إذًا لماذا يحتاج المرء إلى طائفة أو شخص يتبعه؟ بعيدًا عن المؤسسات الدينية صاحبة التاريخ العريق، والبعيدة عن التطرف أو الشذوذ الفكري؟ أتعجب حين تنشر دار الإفتاء المصرية فتوى على صفحتها عبر "فيسبوك" فتأتي تعليقات من نوعية "بطلوا فتي"، "إنتم بتفتوا؟"، "حرام عليكم دا مش صح"، وكأنها تحاول سلب الحق من الدار في أصول تخصصها والتشكيك فيها!! 

سؤال آخر مهم، لماذا يكون لشخصية مثل "التجاني" تأثير السحر على آلاف أو مئات الآلاف وربما الملايين من الناس؟ والإجابة ببساطة لأنه يتحدث "باسم الله"، التحدث كأنك وكيل الله في الأرض يسيطر على كل المشاعر والقلوب، نحن مجتمعات يحركها الدين، حتى ولو كان ظاهريًا وقشريًا وسطحيًا، فكم من "ذقن" خدعتنا، ومن "نقاب" أوهمنا؟!! 

"التجاني" الذي تحدث متلعثمًا ومرتبكًا ودون تنميق في لايف "تليجراف مصر"، تباهى طوال اللقاء بعلاقاته بالفنانين ومجاورتهم، لم يخطئ في اسم واحد منهم مثلما أخطأ في الآية القرآنية التي استشهد بها.

تباهى بأن صفحته يديرها 10 أشخاص ويمتلك تطبيقًا إلكترونيًا به جميع مؤلفاته الدينية، واستنكر التشهير به، لكن لا ضرر في التشهير بفتاة واتهامها بأنها مريضة نفسية هي ووالدها وشقيقها وتهديدها بـ"سكرين شوت"!!

الشيخ الصوفي استغل الفتاة المريضة نفسيًا  -بحسب زعمه- ولم ينصح أهلها بمعالجتها، وهنا مفارقة عجيبة، فهل هو رجل دين أم صاحب مصحة نفسية!! 

صاحب العباءة يسيطر على قلوب مريديه لأنه يعتبر نفسه متحدثا رسميًا "باسم الله" في مجتمع ينساق باسم الله وبالتجارة الدينية عن "جهل شبه جمعي مدقع"، يُشكل العقل الجمعي ويؤثر على سلوكه ويتحكم في بيئته، فعلى سبيل المثال تسبب في طلاق والد “خديجة” من أمها، بحسب قوله الأخير معنا "كنا زي الفل.. ست رقيقة ومحترمة ومعرفش قالها إيه خلاها مش ضايقاني واتطلق مني". 

"التجاني" يؤلّه نفسه حين خاطب مريديه وقال لهم: "المريد يجب أن يعتبر نظره للشيخ أكبر عبادة وأهم من الطعام والشراب، فلو كان جائعًا ونظر للشيخ وظل جائعًا فهو مريد كاذب، ولو أهل العالم أجمع اعترضوا على الشيخ لا يتأثر المريد أبدا".. فهل هذا كلام من الدين والشرع؟!!

حين تواجه مثل هذه المشايخ بكوارث مجتمعية كانوا السبب فيها بشكل أو بآخر يتبرأون ويغسلون أيديهم منها، فـ"التجاني" مثلًا اتهم والد خديجة بالمرض النفسي وأنه كان يساعدهم فقط، تمامًا كما قال رب العزة "إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتُبعوا". 

والد خديجة قال تصريحًا غاية في الأهمية، بأنه يدفع "زكاة المال -وهو رقم ضخم بحسب قوله-" هو وغيره من المريدين للطائفة التي يتبعها، هنا يتضح لنا بعض الأهداف التي ربما تكون خفية.

السؤال الأهم والأخير: لماذا يترك الناس الأزهر المؤسسة الدينية الأعرق في العالم، صاحب الوسطية التي تصدر الإسلام لبلاد العالم كله بما فيها البلد الذي بُعث فيه النبي، ويتجهون لمثل هذه الشخصيات؟ أظن الإجابة بحاجة إلى حوار مجتمعي ومعالجة ضرورية..

search