السبت، 02 نوفمبر 2024

02:29 ص

سامح مبروك
A A

البحث عن فضيحة | خارج حدود الأدب

في صباح أحد أيام عام 2003 م، استيقظت الولايات المتحدة الأمريكية على فضيحة مدوية، حيث انتشر عبر منتديات الإنترنت فيديو "خاص" لفتاة تبلغ من العمر 22 عامًا. لم تكن الفتاة مشهورة حتى تلك اللحظة، على الرغم من كونها وريثة لإحدى أكثر العائلات الأمريكية ثراءً، وربما جعلها ذلك عرضةً لفضيحة بهذا الحجم.

 لم يكتفِ من سرَّب الفيديو بنشره عبر الإنترنت، بل قام بإنتاجه في أقراص مدمجة بمساعدة شركة إنتاج وتوزيع، ومن ثم حقق الفيلم انتشارًا واسعًا وجنت الشركة أرباحًا خيالية من توزيعه.

وعلى الرغم من أن الثقافة الغربية -على عكس الشرقية- قد تتقبل العلاقات خارج نطاق الزواج، إلا أنها لم تتقبل انتشار هذا الفيديو بتلك الصورة للفتاة الشابة، سليلة العائلات العريقة. 

انهارت الفتاة وحركت دعوى قضائية لملاحقة المتسبب، ورافق ذلك تعاطف واسع معها، حتى تصدرت صورها وسائل الإعلام، وأتيح لها الظهور في أحد أهم البرامج التلفزيونية للحديث عن معاناتها، لتصبح حديث الساعة ويحقق البرنامج مشاهدات قياسية.

ولكن بعد بضعة أشهر، في نفس العام ٢٠٠٣م، ظهرت جوانب أخرى للقضية أثارت الكثير من الشكوك؛ فقد تبين أن الشخص الذي سرب الفيديو هو صديق الفتاة وشريكها في الفيديو، "ريك سالومون"، بل وكانت شركة الإنتاج التي تولت نشره هي شركته الخاصة. 

وعندما اقتربت المحاكمة من إدانته، قررت الفتاة التصالح معه مقابل تقاسم الأرباح، وفي نفس العام صدر أول برنامج تلفزيوني واقعي من بطولتها بعنوان "حياة بسيطة"، وحقق نجاحًا غير مسبوق، مما دفع البعض للتكهن بأن تسريب الفيديو كان بتخطيط مسبق.

أنت بالتأكيد تعرف اسم هذه الفتاة. وإن لم تزر أحد فنادق عائلتها الشهيرة، فلا شك أنك رأيت إعلانًا لأحد المنتجات التي تحمل اسمها. إنها "باريس هيلتون". كانت هذه الحادثة بمثابة شهادة ميلاد لتلك الفتاة الثرية المغمورة، لتفتح لها أبواب هوليوود وآفاق جديدة من الثروة والشهرة.

ربما تشبه هذه القصة في تفاصيلها، وإن اختلفت بعض الأحداث، قصصًا أخرى مثل قصة صعود "كيم كردشيان". لكنها تكاد تتطابق مع ما شهدناه مؤخرًا يطفو فوق سطح الأحداث في مصر؛ فضيحة في سبيل الشهرة والمال، سواء كانت متعمدة أو لا.

لكن بعيدًا عن هذا التشابه المقيت، دعونا نتوقف عند نقاط يصعب استيعابها. فكما ذكرنا، التعامل الغربي مع مثل هذه الحالات يختلف تمامًا عن تعاطينا لها، فالشرف والعفة والستر في مجتمعنا ليست رفاهية، ولا يمكن لأي شخص أن يتجاهلها بوجه مكشوف. 

كيف يتصالح إنسان مع عاره ليظهر متفاخرًا به؟ وكيف نقدم للمجتمع نموذجًا منحرفًا في صورة القدوة التي تجني الأموال ويصطف على أبوابها العرسان بفضل فيديو فاضح؟ أي قدوة نزرعها في عقول البنات؟

كيف وصلنا إلى هذا المستوى من الانحدار، لنسعى وراء "الترند" كمذيعين، ومعدين، ومخرجين، ومنتجين، وبرامج، وقنوات، دون مراعاة لأي مُثل أو أخلاق أو حد أدنى من المهنية؟ حالة من البراجماتية لم نرَها حتى في قضية "باريس هيلتون" نفسها، التي ظهرت حينها في الإعلام الأمريكي كضحية، من وجهة نظرهم.

إن فتح أبواب البيوت وعيون البنات والشباب على مثل هذه النماذج يُعد من أخطر التحديات التي تواجه المجتمع. إن انتشار هذه الأصوات يجعل الإعلام "كهدير المجارير"، ويتوجب على الجميع مواجهته بإسكات تلك الفتن ووأدها، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أميتوا الباطل بالسكوت عنه".

لذا يجب على المجتمع أن يرفض هذه النماذج، وألا يفتح باب التربح من الانحطاط أو الشهرة من الفضائح، وإلا انزلق المجتمع برمته خارج حدود الأدب.

search