الثلاثاء، 17 سبتمبر 2024

05:35 ص

البابا تواضروس.. صيدلاني الوطن والكنيسة

البابا تواضروس الثاني

البابا تواضروس الثاني

تامر إبراهيم

A A

كان الرابع من نوفمبر تاريخًا فارقًا عند وجيه صبحي باقي سليمان، فهذا اليوم تاريخ ميلاده عام 1952، وبعد 60 عامًا كان تاريخًا لاختياره بطركًا للكنيسة القبطية الأرثوذوكسية تحت اسم البابا تواضروس الثاني، ليكون الخليفة رقم 118 لكرسي مار مرقس الرسول.

الطفل وجيه

“إيمانك يغيّر الأحوال، يجعل الله رفيقا لك في كل ضيقة، يأتي بك إلى الفرح”.. تلك الحكمة هي المحرك الأساسي في حياة البابا تواضروس الثاني، والتي اختبرها منذ طفولته. فالطفل وجيه وُلد في مدينة المنصورة، كان والده صبحي باقي سليمان يعمل مهندسًا، فتنقل بحكم الوظيفة بين الدقهلية والبحيرة وسوهاج والإسكندرية.

ترحال الطفل أصقل خبراته وثقافته، الأمر الذي جعله ناجحًا في دراسته، حيث تخرج في كلية الصيدلة بجامعة الإسكندرية عام 1975، ليحقق حلمه، فهو كان يرى أن “الصيدلي هو شخص يريح الناس”، ثم حصل على بكالوريوس الكلية الإكليريكية سنة 1983، وزمالة الصحة العالمية بإنجلترا عام 1985، وعاد ليعمل مديرًا لمصنع أدوية تابع لوزارة الصحة في دمنهور.

البابا تواضروس في طفولته

البالطو الأبيض والجلباب الأسود

4 نوفمبر ليس التاريخ الوحيد الفارق في حياة البابا تواضروس، فالشاب ذو الـ34 ربيعًا علّق البالطو الأبيض من أجل جلباب أسود، ففي أغسطس من عام 1986 حزم حقائبه وشدّ الترحال إلى صحراء وادي النظرون، ينشد رمالها الصفراء ووديانها المهجورة وأسوار دير الأنبا بيشوي طالبًا الرهبنة.

البابا تواضروس خلال عمله كصيدلي

ظل “الدكتور وجيه” عامين داخل الدير تحت الاختبار، وفي صباح يوم الأحد الموافق 31 يوليو عام 1988، تلا الرهبان القدامى عليه صلاة الجنازة، ليموت عن العالم الخارجي ويولد من جديد كراهب داخل دير الأنبا بيشوي، ويتخلى عن اسم “وجيه” ويصبح اسمه “الراهب ثيؤدور”، وبعد عام سُميّ قسًا وعاد إلى البحيرة مرة أخرى ليخدم في الإيبارشية هناك.

خلال طلبه الرهبنة

الراهب ثيؤدور والأسقف تواضروس

15 يونيو 1997 كان تاريخًا محوريًا لا يقلّ عن سابقيه، عادت الكرّة وتخلى عن اسمه في الرهبنة “الراهب ثيؤدور”، حينما تم رسامته أسقفًا باسم الأنبا تواضروس، وصار مساعدًا للأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح والمدن الخمس الغربية.

الأنبا تواضروس والبابا شنودة

15 عامًا قضاها أسقفًا، حتى تنيّح البابا شنودة الثالث، ورشحه مطارنة وأساقفة ليخوض غمار الانتخابات على خليفة “شنودة”، لتتوّجه القرعة الهيكلية بطركًا للكنيسة القبطية الأرثوذوكسية في عيد ميلاده 4 نوفمبر، ولكن تلك المرة عام 2012.

إعلان الأنبا تواضروس بابا للكنيسة

الاعتداء على الكاتدرائية

البابا الـ118 في تاريخ الكنيسة القبطية جاء في ظرف سياسي وأمني خاص للغاية، ففي أبريل عام 2013 تعرّضت الكاتدرائية المرقسية الكبرى “مقر الحكم الباباوي” لاعتداءات لأول مرة في تاريخها إبان حكم جماعة الإخوان، وجرت مكالمة بين البابا والرئيس محمد مرسي، وقتها. حكى تفاصيلها البطرك فقال “الدكتور مرسي كلمني وكلماته مكنش لها معنى رغم إني استخدمت كلمات حادة.. استخدمت كلمة صعبة في الكلام معاه إن فيه تواطؤ وكنت أقصدها”.

البابا تواضروس ومحمد مرسي

ثم جاءت الكارثة الكبرى، ففي أعقاب إزاحة نظام الإخوان عن الحكم، اتجه أنصار الجماعة إلى أحداث العنف وحرق مصر، وطالت نيران ذلك الكنائس المختلفة، فما كان من البابا إلا أن يقول “لو حرقوا الكنائس سنصلي مع المسلمين بالمساجد، وإذا حرقوا المساجد سنصلي مسيحين ومسلمين في الشوارع”، وزاد في قوله “وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن”.

الاعتداء على الكنائس

“أنا فاهم إن مش المسلمين إخواتنا اللي عملوا كده.. علاقتنا أسمى من أي حاجة تهد أو تتحرق”.. تصريحات أدلى بها البابا في حوارت مختلفة، تعكس حكمته وتقديراته للمواقف المختلفة وخطورة الكلمة التي تخرج من فمه.
لم تهدأ الأمواج أمام البابا، فتوالت العمليات التي استهدفت مسيحيي مصر، بدأت بذبح مسيحيين في ليبيا عام 2015، وتطورت إلى تفجير الكنيسة البطرسية في 2016، ثم حادثي دير الأنبا صموئيل في 2017 و2018، وغيرها من أحداث العنف ضد المسيحيين بشكل خاص، هذا كله والبابا يؤكد أن الإرهاب يمسّ كل المصريين، ويرفض أي دعوات تمييز بشأن تلك القضية.

إعدام أقباط ليبيا

قتل داخل الدير

2018 كان عامًا استثنائيًا من بين أعوام استثنائية كثيرة، فلأول مرة في تاريخ الكنيسة العريقة يقتل أسقف ورئيس دير داخل أسوار ديره، وتلك المرة الجاني رهبان.. وُجد الأنبا أبيفانيوس رئيس دير أبو مقار غارقًا في دمائه داخل الدير في يوليو من ذات العام، الظروف الغامضة أحاطت بالجريمة، والكنيسة في وضع حرج. وبعد التحقيقات وجدت الأجهزة الأمنية الجناة، راهبان داخل الدير ارتكبا أول جريمة من هذا النوع في التاريخ الكنسي القبطي، ورغم دعوات بعض المسيحيين بتدخل البابا، فإنه أصر على أن يأخذ القانون مجراه، بإحالة أحدهما إلى حبل المشنقة. أعلى البابا صوت القانون، وأصدرت الكنيسة قرارها بتجريد الراهبين من رتبهم الكنسية.

البابا تواضروس في وداع الأنبا أبيفانيوس

البابا تواضروس يصفه البعض بـ “المجدد”، فالرجل بدأ عهدًا جديدًا مع كل الكنائس، ووضع الخلافات جانبًا نحو اتفاقات توحّد كنيسة الله، الأمر الذي دفع به إلى مرمى نيران المتحفظين من المطارنة والأساقفة، الذين هاجموه مرارًا وتكرارًا لكنه سار في الطريق دون أن يلتفت أو يسمح بحدوث انشقاق داخل الكنيسة.

نبوءة قديمة

البابا تواضروس وهو رجل الأزمنة والمواقف الصعبة، حياته شهدت العديد من المفارقات والموافق الغريبة، أولها كان حينما اصطحبته والدته السيدة “سامية” إلى الكنيسة في دمنهور ليصبح شماسًا، هناك مشهدان، الأول تعامل مع كبير الشمامسة بحدة، فما كان من الأم إلا أن تحكي للأب الواقعة، فرد عليها “بكرة يرسموه أسقف”، والثاني حينما ذهبت بطفلها إلى البابا كيرلس السادس ليصلي لنجلها بالنجاح، فرد عليها “متقلقيش عليه هيكون له شأن كبير”، لتتحقق النبوءة مستقبلا.

البابا تواضروس أمام صورة البابا كيرلس

الساعة.. ومحمد صلاح

ساعة كانت سببًا في ابتعاد البابا في طفولته عن كرة القدم، فأثناء دراسته في المرحلة الإعدادية ذهب للعب الكرة مع أصحابه ولعب في مركز حراسة المرمى لكن ساعته الجديدة تحطمت، ومن يومها توقف عن لعب الكرة، لكنه يحب متابعة منتخب مصر، ويرى في محمد صلاح نموذجا رائعا.

البابا يحب القراءة والمراسلة والموسيقى والأفلام الكوميدية، يهوى النكات، وممثله المفضل عادل إمام، ويحب نجيب الريحاني وفؤاد المهندس، ويرى في الموسيقى وسيلة لو تعلمها البشر لاختفت الخطيئة من العالم.

حكيم الوطن

11 عامًا على اعتلاء البابا تواضروس الثاني كرسي مار مرقس الرسول، سنوات شهد فيها الوطن أحداث كبرى وقضايا جلل، وضع فيها البابا نفسه على رأس قائمة حكماء الوطن، وخلّد فيها اسمه بكتب عظمائه.

search