الجمعة، 22 نوفمبر 2024

01:11 م

حسين القاضي
A A

المسلمون والمسيحيون.. معايشةٌ في ساحة التلاقي

المعايشة في ساحة التلاقي والتعارف بين الأديان والأمم والشعوب من القيم العظيمة التي تمثل القواسم المشتركة بين الأديان السماوية، وأهم هذه القيم قيمة الحرية والتسامح والتعاون والتعارف، على مستوى الاعتقاد والفكر والممارسة والعمل والوطن، فالتعددية في الدين واللون والجنس والفكر واللغة من حكمة الله في كونه، وإكراه الناس على معتقد معين أو فرض هوية محددة ينافي الأديان.

 فقد جعل الإسلام وحدةَ المجتمع مقدمةً حتى على قضية التوحيد، لا سيما في أوقات الأزمات، ويكفي من ذلك أن النبي الكريم هدم مسجد ضرار، عندما وجده منبع فتنة، بل إن الأديان وجدت من أجل الإنسان، ولولا الإنسان ما كانت الأديان، وتعدد النداء الإلهي: (يا أيها الناس) (يا بني آدم).

ويقرر علماؤنا أن مصر صاحبة أعمق تجربة تاريخية ناجحة من التعايش والمشاركة في الوطن الواحد بين أصحاب الديانات المختلفة، وأن وجدان الشخصية المصرية لا يعرف أي مظهر من مظاهر التباين الطائفي، أو الجنوح إلى العنف والعدوان، ولذا عملوا على تصحيح الصورة المشوهة التي يُراد لها الترويج بأن الإسلام دين القمع والعنف.   

فنحن نجد شيخ الأزهر يعطي لنا فتوى تمتلئ سماحة ومحبة عندما يقول عن حكم تهنئة المسيحيين بعيدهم: (من البرِّ الذي دعانا إليه الإسلام تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، وما يدَّعيه المتشددون من تحريم هو جمود وانغلاق، بل افتراءٌ على مقاصدِ شريعة الإسلام، وهو من باب الفتنة التي هي أشد من القتل، ومن باب الأذى لغير المسلمين، وليس في التهنئة أيةُ مخالفة للعقيدة؛ كما يدعي المتشددون) قال هذا الكلام في  مؤتمر الأزهر العالمي للتجديد في الفكر الإسلامي" ٢٧-٢٨ يناير ٢٠٢٠ - البيان الختامي).

ونجد فضيلة مفتي الديار المصرية يعطينا فتوى تمتلئ أيضا نصاعة واعتدالا، فيقول في كتابه: "العلاقة بين المسلمين والمسيحيين من واقع فتاوى دار الإفتاء المصرية": إن الإسلام حسَّ على حسن المعاملة مع غير المسلم، والتهنئة بأعيادهم ليست حراما ولا ممنوعة، بل هي من حسن المعاملة، فالإسلام دين الرحمة والبر والصلة، ولا مانع أن يشاركهم المسلمُ بكل أريحية في التهنئة بأعيادهم، ويشاركهم في فرحتهم واحتفالاتهم، ما دام ليس في مشاركتهم مخالفات، لتظل الأواصر الراسخة جذورها، والممتدة فروعها، والقائمة أصولها، تستمد وجودها استنادا من رابطة تقوم على الالتزام والمسؤولية الشرعية، لا مجرد تبادل العاطفة وإحساس المشاعر، التي قد تزيد أحيانا وتفتر أحيانا".

لقد كان من مبادئ الإسلام “أن الأديان السماوية تستقي من معين واحد: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)”.

*أن الأنبياء إخوة لا تفاضل بينهم: (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ). 
*أن العقيدة لا يمكن الأكراه عليها: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ).

*أن أماكن العبادات مقدسة: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا).
*أن أساس التفاضل بين الناس الخير والبر وجبر الخواطر والنفع للجميع: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).
وقال الرسول الكريم عن أهل الديانات الأخرى: "لهم ما لنا وعليهم ما علينا"، وهو الذي قال: من آذى ذميا فقد آذاني، وهو الذي قال: "من آذى ذميا فأنا خصمه"، وقال: "من ظلم معاهدا أو انتقص منه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس منه فأنا حجيجه يوم القيامة"، وهذا التوجه النبوي خرج من نفس المشكاة التي قال فيها السيد المسيح -عليه السلام- في وصاياه: "أحبوا أعداءكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، باركوا لأعنتكم، من أخذ رداءك فلا تمنعه ثوبك".

search