الجمعة، 22 نوفمبر 2024

02:32 ص

نجوى مصطفى
A A

من يحمي بعثتنا الأولمبية من الضغوط النفسية؟

كان صباح لم يتمناه اللاعب الذي يُلقّب بملك إيطاليا، لم يخطر على باله أبدًا أنه بين ليلة وضحاها سيكون منبوذ البلاد وتتمرد رعاياه الذين كتبوا على جدران الفاتيكان "سيغفر الرب للجميع إلا باجيو" وهي المقولة التي انتشرت في أنحاء روما وما يجاورها، أما روبرتو باجيو فكان يُدرك أن ضياعه لضربة الجزاء التي أهدت مونديال 94 إلى البرازيل سيدفع ضريبتها غاليًا، وهو ما حدث فتحوّل من معشوق للإيطاليين إلى مادة للتندر عالميًا.

تلك الواقعة المعروفة، والمتداولة منذ حدوثها وحتى الآن، تُثبت لنا أمرين، الأول، أن الجمهور جمهور، وبالتالي التحكّم فيه صعب، خاصة في لحظات الانتصار والهزيمة، وربما يكون الحب الجارف غير المتزن هو سر من أسرار الرياضة عمومًا، والأمر الثاني، إنه إذا كان كل من سيمارس الرياضة سيتعرض لضغط الجماهير كضرورة حتمية، فليس أقل من تأهيل هؤلاء نفسيًا ليعبروا الأزمات ويتقبلوا النقد وينجوا من مصير باجيو الذي مات واقفًا.

ومن إيطاليا إلى دورة الألعاب الأولمبية بباريس 2024، اتضحت الصورة أكثر، فبمجرد بدء المنافسات، تعرض لاعبين مصريين إلى انتقاد واسع بسبب إخفاقهم في المنافسات وخروجهم المبكر دون إحراز ميداليات، مثل جنى علي التي احتلت المركز 63 من أصل 64، ويمنى عياد التي تم استبعادها من منافسات الملاكمة بسبب زيادة في وزنها.

ومع أحقية الجمهور في انتقاد الإخفاق، لكن علينا أن نعرف أولًا، أن المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية ليست بالأمر الهين، ففي الرياضات الجماعية مثلًا يُشترط أن يحقق الفريق المشارك نجاحات قوية على المستوى القاري، ويكون له تصنيف جيد في اللعبة، وحتى في الألعاب الفردية، فيفضل مشاركة من لهم بطولات سابقة وخاضوا منافسات شرسة تُمكنهم من المشاركة في حدث عالمي كدورة الألعاب الأولمبية.

بمعنى آخر، فإن جميع اللاعبين، سواء من انتقدناهم أو أشدنا بهم، هم في النهاية أبطال، حققوا بطولات، ورفعوا كؤوس، وبذلوا الكثير من أجل التواجد في الأولمبياد، وبالتالي حتى لو أخفقوا، فهذا لا يعني "استحلال" دمهم لأن هؤلاء هم أبطال مصر خلال السنوات المقبلة، وليس معنى أن التوفيق خانهم أن الأمور ستستمر هكذا.

على الناحية الأخرى، ورغم معرفتي بأن هناك طاقم طبي يرافق اللاعبين، ويقوم على تجهيزهم صحيًا، والتعامل مع أي طاريء، لكني أيضًا وعلى حد متابعتي، أعرف أن هذا الطاقم لا يحتوي على طبيب نفسي، يؤهل اللاعبين قبل المنافسات، ويتعامل مع ما يطرأ عليهم من تقلبات مِزاجية، إثر انتقاد هنا أو هجوم هناك، ويساعدهم على تفادي الصدمات وتكملة المسيرة.

وإذا كان قديمًا، كان اللاعب يستطيع الهروب من النقد بالهروب من قراءة الصحف، ففي عصر السوشيال ميديا تبدو المهمة مستحيلة، فحتى لو قاطع مواقع التواصل الاجتماعي بالكامل، سيكون لديه أخ رأى، أب شاهد، شقيقة قرأت، وبالتالي سيعرف ماذا سيقال عنه سلبًا وإيجابًا، ولذلك صار الطبيب النفسي هو أحد أهم عناصر المنظومة الطبية إن لم يكن أهمهم على الإطلاق.

ولذلك أيضًا، توصّل الأهلى إلى تلك الحقيقة مبكرًا، وفي مارس 2023 كان لديه ضمن الفريق الطبي، مُعد نفسي، وتلخصت مهمته في تجهيز نفسية اللاعبين لكل ما يواجهونه، سواء ضغط الجمهور المنافس، الانتقادات الشديدة، المواقف المحرجة داخل المباراة، أو اختلاف وجهات النظر مع المدير الفني، واعتقد أن نجاح لاعبي الأهلي خلال الموسم الماضي، أفضل دليل على نجاح المنظومة، بل وعودة لاعبين لـ"فورمتهم" الأساسية، دليل أقوى على النجاح النفسي أولًا.

والآن، ونحن نرى انهيار اللاعبين أمامنا مثل المبارز زياد السيسي الذي أوجع القلوب إثر إخفاقه، في إحراز ميدالية فاعتذر للجمهور قائلًا : "كان نفسي أعمل حاجة، وأفرح مصر وكان نفسي أفرح والدي الله يرحمه، كان نفسي يشوفني هنا، ووالدتي تعبت جدًا علشان أوصل هنا، كان نفسي آخد ميدالية والموضوع صعب جدًا، كنت بحاول أركز جامد ولكن مكنتش عارف مش عارف ليه، والمشكلة مكنتش في التحكيم أنا اللي كنت مفروض أركز أكثر"، وبعد تلك الرسالة نسأل من يحمي هؤلاء نفسيًا الآن؟!

search