الثلاثاء، 03 ديسمبر 2024

07:23 م

جريمة في الحرم الجامعي!

شاهدت فيديو الأستاذ الجامعي بكلية حقوق المنوفية الذي يسب فيه طلبته بألفاظ يعاقب عليها القانون لو استخدمها أحدهم في الشارع وليس في "حرم جامعي" يفترض أن يتمتع بالقداسة التي تحظى بها دور العبادة.

شاهدت الفيديو مرات عدة، والغريب أني أصاب بالصدمة ذاتها في كل مرة، غير مصدق ما يحدث في جامعة انتسبت إليها ذات يوم، بل تخرجت من الكلية التي شهدت هذه الجريمة!

الأستاذ الجامعي وفق المعايير الطبيعية، أكاديمي ترقى إلى أفضل درجات العلم والمعرفة والتربية، لكن ما شاهدناه سلوكاً ينحط إلى أدنى درجات سلم القيم والأخلاق!

ما الذي يحدث؟!

الأستاذ ليس شاباً صغيراً في مقتبل حياته العلمية والأكاديمية، حتى نبرر سلوكه المشين، من قبيل أنه يحاول فرض نفوذه وسيطرته على المدرج ويقنع طلبته بأنه "أصيع" منهم وأكثر سلاطة وبذاءة، مثلما يجنح بعض الشباب الذين يؤتون معرفة ونفوذاً دون حكمة وأدب!

بل أستاذ متقدم في السن، أشيب، يجلس أمامه طلبة صغار السن في أعمار ابنائه، والأسوأ أن كثيراً منهم فتيات يفترض أن يراعي حياءهن حين يتحدث!

في ظروف أخرى، ودول عدة، لا تقتصر محاسبة المتفوهين بهذه الألفاظ في بيئة العمل على اتهامهم بخدش الحياء العام، بل توجه إليهم تهمة التحرش اللفظي، فما صدر منه ألفاظ لا يمكن أن يقبل أب بأن تسمعها ابنته في الشارع أو العمل، فما بالك بمحراب العلم!

المشهد مخز بكل المقاييس، فالأستاذ الوقور كان يزداد حماسة، ويفرط في البذاءة كلما تعالت ضحكات طلبته، كمهرج في عرض رخيص، أو ممثل درجة رابعة يقتلع تفاعل جمهوره بالإيحاءات الجنسية والعبارات المتدنية!

تكتمل أركان هذه المهزلة بوقوعها في كلية الحقوق، حيث يدرس القانون، فضلاً عن توجيه تلك الألفاظ النابية لطلاب الفرق الأولى، وكأنه يرحب بهم بطريقته "أهلا بكم يا ........ في الحرم الجامعي!!

لن أحكم على الرجل لأني لا أعرفه شخصياً، لكن لنا كل الحق في الحكم على ما شاهدناه، وهو سلوك بغيض، لا يمكن أن يمر مرور الكرام، وأتمنى من جامعة المنوفية أن تعلن عن نتائج التحقيقات مبكراً، ويكون عبرة للأساتذة والطلبة على السواء، فإذا انتشرت هذه السلوكيات في جامعاتنا، لا يمكن أن يأمن أب على أبنائه فيها!

ما حدث لا يمس جامعة المنوفية العريقة، لكن من الضروري التعامل بشفافية وصراحة مع الواقعة حتى تحفظ هيبتها، وتحافظ على انضباط واحترام التقاليد الجامعية والعملية التعليمية.

لقد تابعنا رد المجلس الأعلى للجامعات من خلال "تليجراف مصر" وبيان رئيس جامعة المنوفية، لكن يجب اتخاذ موقف عاجل وفق التحقيقات، بغض النظر عن خطأ الطالب الذي سجل الواقعة ونشرها على شبكات التواصل الاجتماعي، حتى لا نترك الجريمة الأصلية ونمسك في الفرع!

أتشرف بالانتماء إلى كلية حقوق جامعة المنوفية، ولها فضل كبير في كل نجاح حققه خريجوها، لذا أرى من الواجب التصرف بحزم وسرعة، وما حدث لا يمكن أن يخل بقيمة الكلية أو الجامعة وتاريخها، لأنه في نهاية الأمر تصرف فردي بشرط معاقبة المخطئ.

لقد نال الطلبة الذين رقصوا في حفل تخرجهم بطريقة غير لائقة ما يكفي من الاستهجان والنقد والذم، لكن في ظل ما شاهدناه من جانب الأستاذ الوقور، لا يمكن ان نلومهم بعد ذلك، لأن رب البيت بالدف ضارب!!

أؤكد مراراً وتكراراً أن المعلم يجب أن يحظى بقدسية وحصانة في موقعه سواء كان في مدرسة أو جامعة، لكن بشرط أن يحفظ هذه الهيبة، ولا ينحط إلى أدنى الدرجات، لذا بالله عليكم أساتذتنا الكرم ارتقوا حتى تنالوا ما تستحقونه من تبجيل..

الديانات السماوية عظّمت دور المعلّم وأفردت له قيمة وشأن عظيم، واعتبرت أن التعليم كالرسالة وأنّ المعلّم هو رسول العلم والثقافة والنور.

ويقول الله تعالى في كتابه الحكيم، بسورة المجادلة: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير}

وقبل العلم، يجب أن يكون المعلم صاحب خلق رفيع، لأنه يرسخ القيم السامية في أبنائهم، وبمثابة المثل الأعلى لمعظمهم، 

وفي حياة كل منا، معلم ما ترك أثراً عميقة وعلامة فارقة بمسيرتنا وتطورنا وإنجازاتنا، فبالله عليكم لا تشوهوا هذه القيمة بسلوكيات لا تليق بمحرابكم..

search